• 2022-09-16

إدارة الذات قبل إدارة المؤسسات

لو سألت مدير شركة أو مؤسسة عن معلومات وبيانات شركته لَأفاض عليك وزيادة بتقارير شفوية وأخرى مكتوبة، لكنه يقف ولا يحرك ساكناً حينما تسأله عن معلومات حول شخصيته، وعن معرفة ذاته وعن ميوله ونقاط قوته وضعفه، ولسان حاله يقول "من أين أُحضِر لك هذه المعلومات وهي ليست بالأرشيف وليست عند السكرتير!".
بادرني زميل وعرض عليَّ عدداً من خطط شركته التي يُديرها، منها خطط استراتيجية وأخرى تشغيلية، وكيف أنه وضع خططاً مُحكمة وطموحات عالية للشركة، قابلة للتنفيذ من خلال جملة من الوسائل والإجراءات التي يمكن أنْ تُحقق أهداف الشركة. وبعد الثناء على ما قدم، نظرتُ إليه بشغف وقلت له: وأين خطتك لذاتك؟ وكيف ترى نفسك بعد خمس سنوات؟ وماذا تريد من نفسك وما هي أهدافك؟ فسقطت منه الخطط وهو ينظر لي بمزيج من مشاعر الصدمة والاندهاش ومشاعر الحسرة، ثم تركني وترك الخطط ملقاة على الأرض!
واستوقفني آخر وناقشني حول تصميمه لعدد من استمارات تقييم أداء العاملين بمؤسسته، وكيف أن التقييم يعتمِد على النظم الحديثة من معايير حقيقية ومؤشرات دقيقة في قياس أداء العاملين. وحينما طلبت منه استمارة تقييم أدائه هو بدا متعجباً، وقال ليس هناك مدير أعلى مني حتى يقوم بتقييمي. فقلت له: هل قمت أنت بتقييم ذاتك؟ وهل راجعت مدى انفعالك أمام المواقف؟ وهل قيَّمت مدى تحقيق أهدافك التي وضعتها لنفسك؟ وهل راجعت اهتماماتك وتطلعاتك؟ وهل قيَّمت علاقاتك ومدى تواصلك مع الآخرين؟ فوقف يترنَّح بين الاندهاش والخجل مني!
وهكذا نجد كثيراً من الأشخاص يهتمون بغيرهم دون أنفسهم.. يركزون على نجاح شركاتهم ولا يركزون على نجاح أشخاصهم.. يحاولون تغيير مؤسساتهم إلى الأفضل ولا يحاولون تغيير أنفسهم. وإذا كان هذا النموذج متكرراً فإن هؤلاء المساكين قد وقعوا بين فشلين؛ حيث من الصعوبة تحقيق ما خطَّطوا له بشأن مؤسساتهم. ولْنعلم "إن الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم"، هذا إضافة إلى أن الواحد منهم نسي نفسه وأهملها وتركها دون تحكم، ففشل في حُسن إدارة ذاته.
فقبل أن تفكر في تحسين إدارة مؤسستك وتطويرها يجب أن تفكر في إدارة نفسك أولاً، فليس من المعقول أن تطلب ضبط المؤسسة والشركة ولا تطلب من نفسك الانضباط، وليس من المعقول أن تخطط وتضع أهدافاً لشركتك وأنت ليست لديك أهداف أو خطط أو طموحات، وليس من المنطق أن تريد التغيير لشركتك وأنت ثابت لا تتغير ولا تُنمِّي ذاتك! وكما هو دارج في المثل " فاقد الشَّيء لا يعطيه ومَنْ لا يملك علمًا أو خُلُقًا لا يُنتظَر منه أن يعلِّمه للآخرين".
لو ترسَّخ هذا المفهوم لدى المسئولين والمديرين لتبدلت الأولويات، وأصبح الاهتمام بالنفس وتطويرها الأولوية الأولى.
ولو وصلنا لهذا المفهوم وهذه القناعة لأصبحت إدارة الذات قبل إدارة المؤسسات.

آخر أخبار د.علي عبدالغفار

  • حينما يسبق الأفراد القيادة

    2022-12-21

    القيادة بمثابة الرأس للجسد؛ فهي القاطرة التي تقود المؤسسة أو الكيان إلى النجاح والتقدم، والتاريخ مليء بقيادات غيَّرت وجه التاريخ، وأولها بالطبع القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت القيادة بهذه الأهمية وهذا التأثير فلابد لها من مجموعة خصائص وم...

  • إدارة الأسرة قبل إدارة الشركة

    2022-10-16

    ذهبت الزوجة إلى زوجها مدير الشركة، وعند دخولها مكتبه توقفت باندهاش أمام مشهد عجيب لم تره منذ زمن بعيد، فقد رأت زوجها مدير الشركة جالساً مع مجموعة من العاملين يسمع لهم ويناقش مشاكلهم ويمازحهم. وفي حالة أخرى ذهب الولد إلى أبيه مدير الشركة، وفجأة انزوى...

  • نمط الإدارة ونجاح المؤسسات

    2022-07-19

    يكفي أن تبلغني عن كون هذه المؤسسة ناجحة أو خاسرة حتى أرد عليك وأنا في مكتبي عن طريقة ونمط الإدارة والممارسات الإدارية التي تتم داخل تلك المؤسسة، وهذا ليس سحراً ولا ادعاء الغيب لكنه علم؛ حيث إن كل شيء له دلالاته ومؤشراته التي تُنبىء بالنتيجة، فالنجاح ...

  • شيخوخة المؤسسات والتنظيمات

    2022-06-19

    لطالما سمعنا عن وصول الإنسان إلى مرحلة الشيخوخة باعتباره كائناً حياً، ومن سنن الله في خلقة أن يمر الإنسان بمراحل عمرية حتى يصل إلى مرحلة الشيخوخة ثم إلى نهاية عمره. أما عندما نسمع من يقول إن المؤسسات والتنظيمات لها مراحل عمرية تصل بها إلى مرحلة الشي...

  • الروتين المظلوم

    2022-05-18

    دائماً ما يردد البعض القول.. "الروتين ممل، اللي نصبح فيه نِبَات فيه، الروتين يقتلني، أنا أصبحت أكره الروتين"، هذه كلمات نسمعها ذماً وسبَّاً في (الروتين)، ومعنى الروتين: هو التَّعَوُّد على عمل ما أو إجراء مكرر، وهي كلمة أصلها فرنسي وتعني تكرار عمل أو ...